مدة تقادم الضرائب والرسوم المدفوعة بغير حق - د. محمد نجيب

تعليق على حكم المحكمة الدستورية العليا فى الطعن رقم 100/ 28 ق دستورية

بجلسة 7 مارس 2010 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها فى الطعن رقم 100 لسنة 28ق دستورية المقام ضد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب على المبيعات. والقاضى فى منطوقه: "بعدم دستورية البند (2) من المادة 377 من القانون المدنى فيما نص عليه من "ويتقادم بثلاث سنوات أيضا الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق". وقد نشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية العدد (11)

1) النصوص القانونية الحاكمة: 

تنص المادة 374 من التقنين المدنى على أنه "يتقادم الإلتزام بإنقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التى ورد عنها نص خاص فى القانون، وفيما عدا الإستثناءات التالية:....".
كما كانت المادة 377 من ذات القانون تنص على أنه:
1- تتقادم بثلاث سنوات الضرائب والرسوم المستحقة للدولة.....
2- ويتقادم بثلاث سنوات أيضا الحق فى المطالبة بالضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق.
ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها.
3- ولا تخل الأحكام السابقة بأحكام النصوص الواردة فى القوانين الخاصة.
ثم صدر القانون رقم 646 لسنة 1953 حيث أورد فى مادته الأولـــى (تتقادم بخمس سنوات الضرائب والرسوم المستحقة للدولة أو لأى شخــص إعتبارى عام ما لم ينص القانون على مدة أطول).
وهكذا فقد صارت مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة للدولة أو لأى شخص إعتبارى عام خـمس سنوات، بينما ظلت مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة للأفراد والمدفوعة بدون وجه حق ثلاث سنوات وذلك نزولا على مقتضيات التنسيق التشريعى بين النصوص المتقدمة. فقد إستقر قضاء النقض على أن قانون 646 لسنة 1953 لم ينسخ الفقرة الثانية من المادة 377 من القانون المدنى فيما تضمنته من تقادم الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق بثلاث سنوات. وبذلك تكون مدة تقادم الحق فى إسترداد هذه الضرائب والرسوم باقية على أصلها ولم يعدلها هذا القانون. (الطعن رقم 92 لسنة32 ق جلسة 17/ 3/ 1966 س17 ص607 ـ الطعن رقم 2916 لسنة 64 ق جلسة 11/ 12/ 2001)

2) الأسباب التى إستندت إليها المحكمة فى قضائها:

أوردت المحكمة الدستورية العليا فى معرض تسبيبها لقضائها:
"وحيث أن البين من نص المادة 377 من القانون المدنى قبل تعديلها بالقانون رقم 646 لسنة 1953 بشأن تقادم الضرائب والرسوم أن المشرع قد حرص على توحيد مدة التقادم المسقط للضرائب والرسوم المستحقة للدولة مع مدة تقادم الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق بثلاث سنوات. إلا أنه بعد التعديل السالف الإشـارة إليه أصبحت مدة تقادم مستحقات الدولة الضريبية خمس سنوات فى حين ظلت مدة التقادم المقررة فى الحالة الأخرى دون تعديل وهى تلك التى تضمنها البند (2) من المادة 377 من القانون المدنى.

3) مناقشة الأساس التى أقامت عليه المحكمة قضائها:

(أ) إستندت المحكمة الدستورية العليا فى قضائها إلى مخالفة البند (2) منالمادة 377 مدنى لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة 40 مـــــــــن الدستور، حيث أوردت شرحا لذلك:
 "أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة يعد وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة للحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور والقانون، ومن ثم فلا يجوز للمشرع عند إعماله لسلطته التقديرية فى مجال تنظيم الحقوق أن يقيم تمييزا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتماثل عناصرها ويتعين أن تنتظمها أسس موضوعية موحدة لا تمييز فيها بين المؤهلين قانونا للإنتفاع بها والتى يتكافأ أطرافها أمام القانون".
" لما كان ذلك وكان المشرع قد أجرى بالقانون رقم 646 لسنة 1953 بشأن تقادم الضرائب والرسوم تعديلا على مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة للدولة بجعلها خمس سنوات فى حين أبقى على مدة التقادم المقررة لحق الممول فى المطالبة برد الرسوم والضرائب التى دفعت بغيرحق بثلاث سنوات والتى تضمنها النص المطعون عليه مغايرا بذلك المنهج الذى حرص عليه ـ قبل التعديل ـ بتوحيد مدة التقادم فى الحالتين السالفتى الإشارة". 
"ومن ثم يكون قد أقام تمييزا غير سائغ للدولة بأن إختصها بمدة تقادم للحق الضريبى تزيد على المدة المقررة للممول فى هذا الشأن بالرغم من تكافؤ مركزيهما القانونى لكونهما دائنين بدين ضريبى مما يستوجب وحدة القاعدة القانونية التى ينبغى أن تنتظمها فى شأن سقوط الحق فى المطالبة بالدين الضريبى لتحقيق الحماية القانونية المتكافئة لكلا الطرفين وذلك بالمخالفة لمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة (40) من الدستور."
(ب) والواقع أن ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية فى حكمها من مخالفـــــة نص البند (2) من المادة 377 مدنى لمبدأ المساواة المقرر بنص المــــــادة (40) من الدستور محل نظر لما يلى:
1- أن مبدأ المساواة ليس مبدأ مطلقا، لأن المساواة الواردة فى المادة (40) من الدستورهى مساواة قانونية وليست فعلية.(الدكتور/ مصطفى أبوزيــــد فهمى- الوجيز فى النظام الدستورى المصرى- الإسكندريــــة 2008- ص37، رقم44- ص43 رقم 48).
2- وترتيبا على هذا فإن مبدأ المساواة لا يحول دون قيام المشرع بالخروج عليه لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة. (الدكتور/ محمد عبد اللطيف- الضمانات الدستورية فى المجال الضريبى - الكويت- 1999- ص150). 
3- ومفاد ذلك أنه تكفى فكرة المصلحة العامة للتمييز بين المخاطبين بأحكام القانون دون أن يعد ذلك خروجاً على مبدأ المساواة وهو مانلحظه بوضوح فى التمييز بين الدولة والممولين من حيث مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة لأى منهم.
4- وتتجلى أوجه المصلحة العامة التى تسوغ الخروج على هذا المبدأ فيما يلى:
الوجه الأول: أن العبء الذى يقع على عاتق الدولة للمطالبة بالضرائب والرسوم أثقل من ذلك العبء الواقع على عاتق الممولين، إذ قد تداين الدولة ملايين الممولين بدين الضريبة، ومن ثم فلا تتسع مدة الثلاث سنوات لاستيعاب المطالبة بديونها الضريبية.
الوجه الثانى: أن الفرد غالباً مايكون أحرص على ماله من الدولة ممثلــــة فى موظفيها الذين قد يتكاسل بعضهم أو يهمل فى المطالبة بديون الدولة أو غيرها من الأشخاص الإعتبارية العامة من ضرائب ورسوم.
الوجه الثالث: أن تحصيل الدولة للديون الضريبية يستجوب ضـــــــــرورة توافرتنظيمات إدارية متعددة تتمثل فى إمساك العديد السجلات والدفاتر بما يجعل إجراءات الدولة فى المطالبة بديونها الضريبة أكثربطئا وتعقيداً مـــن مطالبات الفرد العادى الذى يكون من اليسيرعليه المطالبة بحقوقه.
لاسيما ماهومقررمن أن التقادم - فى المواد الضريبية - لايقوم على قرينة الوفاء، بل يستند إلى عدم إرهاق المدين وإثقال كاهلة بتراكم الديون عليه (راجع فى ذلك: مؤلفنا : المنازعات الضريبية والجمركية: مجموعة محاضرات القيت على طلبة الماجستير بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولجيا والنقل البحرى- 2010/2011 - ص 11).
الوجه الرابع: حاجة الدولة للضرائب والرسوم التى تتولى إنفاقها فى أوجه النفع العام، ومن ثم يعود أثرها على المجتمع بوجه عام بطريقة غيرمباشرة بما يترتب عليه من أن حرمانها من تلك الضرائب و الرسوم قد يعجزها عن الوفاء بالتزاماتها نحو مواطنيها، فى حين أن سقوط حق الفرد فيها قد لايرتب مثل هذا الأثر الخطير.
5- ولا شك أن تلك الإعتبارات التى تمليها المصلحة العامة تسوغ الخروج على مبدأ المساواة، وذلك بجعل مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة للدولة أطول من تلك المقررة لتقادم الضرائب والرسوم المستحقة للأفراد.

4) تقديرنا لقضاء المحكمة الدستورية العليا:

(أ) فى تقديرنا أن المحكمة الدستورية العليا قد وقعت فى المحظور حين قررت عدم دستورية البند (2) من المادة 377 من القانون المدنى تأسيسا على إخلاله بمبدأ المساواة.
(ب) وتفسير ذلك أنها قد جعلت مدة تقادم الضرائب والرسوم المدفوعة بدون وجه حق إذا كانت مستحقة للأفراد خمس عشرة سنة سواء وفقا للقاعدة العامة (م374 مدنى)، أو وفقا لقواعد رد مادفع بغير حق (م187/ 2 مدنى)، فى حين أبقى القانون 646 لسنة 1953 على مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة للدولة خمس سنوات.
(ت) وعليه فقد أدى هذا القضاء إلى المغايرة بين الممولين والدولة بشأن مدة تقادم الضرائب والرسوم المستحقة لكل منهما، وبذلك فقد أعاد تكريس مخالفة مبدأ المساواة لصالح الممولين على حساب الدولة دون مسوغ قانونى أو واقعى.
(ث) والواقع أنه كان بإمكان المحكمة الدستورية العليا أن تتجنب هذا المأزق الدستورى فيما لو رفضت القضاء بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 377 مدنى لاسيما وأنه لاغبارعلى دستوريتها، إذ لم تشوبها ثمة شبهة مخالفة لمبدأ المساواة، بأن لم تقم أى مغايرة بين الممولين والدولة من حيث مدة التقادم. 
(ج)  بل إن حقيقة الأمرأنه وإن كان هناك مجال للقضاء بعدم الدستورية فقد كان الأولى بذلك نص المادة الأولى من القانون رقم 646 لسنة 1953 لأنه الذى أقام  ـ على نحو ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا ـ فى حكمها - تمييزا للدولة على حساب الأفراد، بأن إختصها بمدة تقادم للحق الضريبى تزيد على المدة المقررة للممول فى هذا الشأن. 
(ح) ولامحل لما قد يقال من  أن المحكمة الدستورية العليا مقيدة بطلبات المدعى التى تنحصر فى الطعن بعدم دستورية مانص عليه البند (2) من المادة 377 من القانون المدنى من أن " يتقادم بثلاث سنوات الحق فى المطالبة بالضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق...".
(خ) فمن المقرر أن للقاضى الدستورى أن يخرج عن نطاق الدعوى  بأن يفصل فيما لم يطلبه الخصوم، ويتعرض من تلقاء نفسه لمسائل لم يثرها أى منهم من خلال سلطة التصدى التى تتمتع بها المحكمة الدستورية العليا. (الدكتور/ محمد باهى أبو يونس: أصول المرافعات الدستورية- الأسكندرية ـ 2011 ـ ص 18).
وسند ذلك نص المادة 27 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48  لسنة 1979 الذى يجرى على أنه  " يجوز للمحكمة فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون او لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة إختصاصاتها، ويتصل بالنزاع المطروح عليها....". 

5) وخلاصة القول: 

أن حكم المحكمة الدستورية العليا قد أقامت تمييزا غير مقبول بين الممولين والدولة، ولذا فقد أحسن المشرع صنعا حين تدخل لإزالة التشوه التشريعى الذى خلقه هذا الحكم، بأن أصدر المرسوم بقانون رقم106 لسنة2011 بتعديل بعض أحكام القانون المدنى الذى ينص على أنه " يتقادم بخمس سنوات الحق فى المطالبة برد الضرائب والرسوم التى دفعت بغير حق ويبدأ سريانها من يوم دفعها "، وبذلك فقد سوى بين مدة تقادم الضرائب اوالرسوم المستحقة للدولة وتلك المستحقة للأفراد، فصارت خمس سنوات فى الحالتين.
وعلى الله قصد السبيل،،،

إرسال تعليق

يسعدنا قبول تعليقاتك

أحدث أقدم

نموذج الاتصال